Pixel Design
شركة انكور التطويريةدليل انكور للمواقعمنتدى انكور التطويريةمركز انكور للرفعمنتديات دلون

دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر )

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر )   Empty دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر )

مُساهمة من طرف المدير العام السبت فبراير 12, 2011 8:47 am

( فتح صديقي نافذة غرفة مكتبنا المغلقة منذ شهور،

تسلل صوت دعاء الكروان من فوق سطح إحدى البنايات ،

داعب قلبي المتحجر ،

فتح برفق أبوابه الموصدة ،

تسرب حنين الذكريات بين حناياه اليابسة ،

أحسست برغبة في التقاط أنفاسي ،

امتدت أصابعي إلى ربطة عنقي التي أحكمت الخناق حوله تفكها ،

أزحت لوحة مفاتيح الكمبيوتر بعيدا و انتفضت واقفا ،

أتاني صوت صديقي )

ـ على فين يا ريس ؟

ـ مروح .

ـ طب ما لسه بدري ، استنى الساعتين دول و نروح سوا .

ـ لا كفاية كده قوي ، أنا رايح البلد .

ـ أيوة يا عم ، رايح تبل ريقك ؟ أمـــــوت و أشوفها .

ـ هي مين دي إن شاء الله ؟

ـ أيوة ياله استهبل استهبل ، البت اللي بتخليك تسيب اللي وراك و اللي قدامك و تجري تروح لها ....

( قلت بينما أرتدي معطفي )

ـ و الله ما أنت فاهم حاجة ، سلام ...

ـ طب و الشغل المتلتل على رأس أبونا ده ؟

ـ إياكش يولع بجاز .

ـ طب أقول إيه ل (عز ) بيه ؟

ـ قول له مات ، جت له شوطة خدته ، اتصرف ، دي مشكلتك أنت ....

( انطلقت خارجا ،

تسللت من تحت الكتل الخراسانية التي طبقت على صدري لسنوات ،

أدفع هذه الأبواب المعدنية الميتة من طريقي ،

أخرج إلى الشارع أستنشق نسيم الحرية ، أملأ صدري ...

أخذت أسعل بشدة ، ملأ صدري عادم السيارات اللعينة ،

هذه الصناديق المعدنية المحمولة على عجلات ،

تنفث سمومها طوال اليوم فتحيل الحياة جحيما ،

نظرت إلى هذه الغيمة من أبخرة البنزين التي حجبت الرؤية حولي ،

وضعت منديلي فوق أنفي و جريت فارا بنفسي ،

صرخات أبواقها أخذ يلاحقني ،

تسللت يدي بسرعة إلى جيبي ،

انتزعت قطعا من منديل ورقي أحشو بها أذني ،

حاولت الابتعاد عن هذه الطرق الإسفلتية السوداء ،

صعدت أول جسر لعبور المشاة ،

هبطت الناحية الأخرى عند محطة القطار ،

جريت ألحق بالقطار الذي بدء يتحرك بالفعل ،

جلست بجانب النافذة أنظر إلى هذه المكعبات الجامدة ،

أخيرا فلتنا من بين فكاك المدينة الموحشة ،

تسلل بنا القطار برفق بين الحقول ،

حملتني الذكريات فوق جناحيها تسابق القطار ،

هبطت بي بين حقول الطفولة ،

وجدتني محمولا على كتفيه ،

سألته على استحياء )

ـ على فين يا با ؟

ـ مش كان نفسك تعوم ؟

ـ آه ....

ـ طيب خلاص ها أعلمك ....

( انهلت على رأسه أقبلها غير مصدق )

ـ بجد يا با ؟

ـ أنا عمري وعدتك بحاجة و خلفت ؟

ـ عمرك .

ـ طيب خلاص .

( وقف فوق الجسر الخشبي و صرخ )

ـ يلا عوم .

( قذفني في الماء ، صرخت )

ـ لأ يـــا بـــــــــــــــــــا ، ما بعرفش أعــــــــوم .......

( ارتطمت بالماء و غصت أغرق ،

انسحبت روحي ، حبست أنفاسي ،

أخذت ألوح بيدي و قدمي يمينا و يسارا ،

فجأة أحسست بشيء يرفعني لأعلى ،

وجدتني أطفو فوق سطح الماء ،

وجدته يحملني فوق ساعديه )

ـ ما تخليك راجل أمال ...

( حاولت لملمة الحروف )

ـ أصل ... أنت .... رميتني فجأة ... ما كنتش واخد بالي ....

ـ ما هو لازم كده عشان تتعلم .... يلا حرك أيدك و رجلك ....

( أخذت ألوح بيدي و قدمي بينما يحملني على ساعده ،

فجأة ،

وكزني الجالس جواري بالقطار )

ـ إنت نازل فين يا أستاذ ؟

( أفقت على تحرك القطار ثانية )

ـ شربين .....

ـ ما هي دي شربين ، إلحق انزل بسرعة....

( نظرت حولي فإذا بالقطار يتحرك ،

جريت إلى الباب بينما صرخ الجالسون )

ـ حاسب يا اسطى .....

( قفزت من القطار بسرعة ،

تابعني بعض الركاب مطمئنين ،

الحمد لله نزلت بسلام ،

رفعت يدي ملوحا متمنيا لهم السلامة ،

انتظرت حتى مر القطار ، عبرت السكك الحديدية ،

انزويت من بين الأشجار إلى طريق ترابي صغير ،

متسللا بين الحقول ،

أحسست ببرودة بعض قطرات ماء تتساقط على وجنتي ،

نظرت إلى السماء و إذا بالمطر و قد بدء يهطل على استحياء ،

طارت العصافير و الحمائم تحتمي بأعشاشها ،

رائحة المطر تداعب أنفي ،

عبقت رائحة الأزهار الكون من حولي ،

ازداد المطر هطولا ،

انزويت محتميا بإحدى الأشجار ،

أخذ المطر يتساقط بغزارة ،

ضممت المعطف طلبا للدفء ،

أخذت أتابع القطرات التي بدأت تتجمع حتى سالت خلال قنوات صغيرة إلى المستنقعات المنخفضة حول الأشجار ،

بدأت المياه ترتفع من حولي ،

ما العمل الآن ؟

تسربت المياه إلى داخل حذائي ،

هل سأبقى هكذا ؟

على ما يبدو أن المطر لن يتوقف ،

عندها عزمت على تكملة رحلتي تحت الأمطار ،

تحركت في اتجاه بلدتنا التي تتوارى خلف الحقول في الأفق هناك ،

حاولت التقدم بين الأوحال ،

مع كل خطوة أجتهد لنزع حذائي من بين الطين ،

فلتت قدمي اليمنى من الحذاء الذي أطبق الوحل عليه فظل ثابتا دون حراك ،

غاصت قدمي في الطين ،

لا حول و لا قوة إلا بالله ،

عدت ثانية محاولا استرداد الحذاء فإذا بقدمي الأخرى تفلت لتغوص هي الأخرى ،

لم استطع السيطرة على ضحكاتي فانطلقت تقرقع في الفضاء ،

حملت الحذاء بيدي و رحلت أكمل طريقي ضاحكا ،

حاولت الصعود للأماكن المرتفعة التي لم يغرقها الماء بعد ،

فجأة ، انزلقت قدمي ، اختل توازني ، فسقطت ممددا في الوحل ،

ارتطم وجهي يغوص بالطين ،

انفجرت في الضحك ،

لم أجد أمامي بد من الفرار ،

عندها انقلبت ممددا على ظهري بالوحل أضحك ،

اغتصب سمعي صوت جرس هاتفي المحمول ،
حاولت الجلوس حتى نجحت ،


أخرجت الهاتف من جيبي ، دست مفتاح الاتصال ، وضعته على أذني )

ـ نعم .

( جاءني صراخ صديقي )

ـ محمد ، تعالى بسرعة عشان (عز) بيه جه و قاعد يزعق و قالب الدنيا ............

( عندها ، أخذتني نوبة من الضحك ، فألقيت بهاتفي في المياه المتجمعة حولي ،

لكنه طفا فوق سطح الماء فسمعت طلاسم صوت صديقي )

ـ بللق ... بللق .... بللق ....
( أخذتني نوبة من الضحك )

ـ اسكت أحسن لك .... هاهاها ....

ـ بللق .... بللق ....

ـ ما فيش فايدة ؟ طيب ، تستاهل بقى اللي يجرى لك ....

ـ بللق .... بللق ..... بللق ....

( أمسكت بالهاتف مرة أخرى و أغرقته بالقاع داخل الطين )

ـ بس بقى ، إنت إيه ؟ ما بتزهقش ؟ ما تبس بقى ، بس ، بس .......

( أخيرا اختفى صوته ،

تحسست الطين حولي ألتمس حذائي حتى نجحت فرفعته ،

فإذا به و قد ملأه الماء و الطين ،

رفعته أفرغ ما فيه فوق رأسي ،


فسال على وجهي و جسدي ،

أخذت أردد ما قاله صديقي إيليا أبو ماضي )

ـ نسى الطين ساعة أنه طين حقير فصال تيها و عربد ........
( عرجت في طريقي إلى هذا البيت الأبيض الصغير القابع بين الأشجار ،
أخذت أتحسس هذه الرسومات الطباشيرية التي رسمتها و أنا صغير ،
مازالت كما هي لم تمحوها الأيام و السنين ،
سمعت أصوات ضحكات براءة الطفولة التي كانت تنطلق منا فتملأ الفضاء ،
تختلط بأصوات الطيور و العصافير فوق الأشجار ،
داعبت أنفي رائحة أشجار الليمون و الجوافة ، حاولت التلذذ بأكثر قدر منها ،
أخذت منتشيا المزيد من الأنفاس العميقة محاولا اختزانها بصدري ،
وقفت للحظات أمام الباب الخشبي العتيق ،
ترددت طويلا في طرق الباب ،
هل هي هنا ؟ أم تراها ذهبت إلى بيت أبي في آخر القرية هناك ؟
طرقت الباب على استحياء ،
جاءني صوتها الواهن تسأل )
ـ مين ؟
( هل أرد عليها ؟ أم أجعلها مفاجأة ؟
أقترب صوتها من وراء الباب تكرر )
ـ مين ؟
ـ أنا ....
( فتحت الباب ، تسللت رائحة الفرن و الخبز من داخل الدار ،
و إذا بها تقف أمامي بجلبابها الأسود تناثرت عليه بعض ذرات الدقيق ، كما هي لم تتغير ، صبغ الحزن عينيها بالبياض ،
مالت برأسها جانبا و كأنها تتحسس النظر بأذنيها ، لمعت أسنانها البيضاء
خجلى من وراء شفتيها ، مسحت وجه كفيها و ظهريهما بجلبابها ، سألت مترددة )
ـ محمد ؟
( حاولت استبيان الحقيقة فمدت أصابعها تلامس وجهي ،
اقتربت مني تشمني )
ـ أنت لسه عيل زي ما أنت ؟
ـ الحاج عبد الموجود موجود ؟
( أخذتنا حالة من الضحك ، فتحت ذراعيها فارتميت في حضنها )
ـ كده برضه يا محمد ؟ و لا كأن ليك أهل تسأل عنهم و تطمنهم عليك ؟
( أخذت تبكي ،
حن قلبي لبكائها فشاركتها البكاء )
ـ هي دي برضه صلة الرحم ؟
ـ أرجوك تسامحيني يا ( نبوية) ، الشغل واخد كل وقتي و الله .....
ـ طب على الأقل اتصل اطمن علينا ( انتبهت لبرودة جسدي ، فأبعدتني تسأل ) إنت مبلول كده ليه ؟
ـ أصلي ازحلقت و وقعت في الطين و أنا جاي ....
( فلتت ضحكاتها من بين الدموع )
ـ هاهاها ، ما فيش فايدة فيك أبدا ؟ حتى و أنت كبير برضه بتزحلق ؟ طب على
الأقل زمان لما كنت باشوف كنت بامسك إيدك ، فاكر يا وله لما ازحلقت و شدتني
معاك وقعتني في الترعة ؟ ها ها ها ...
ـ أخبار أبويا إيه ؟
ـ و الله مش و لا بد ، مش عارفة أقولك إيه يا محمد ؟ أديك ها تشوف بنفسك .
ـ أمال مين اللي قاعد معاه ؟
ـ أديني هنا شوية و هنا شوية .
ـ طب ليه الشحططة دي ؟
ـ ما أنت عارف دماغه ، مش راضي يجي يقعد معايا ، بيقول ما أخرجش من بيتي إلا ع القرافة ، ده أنا و أبو يوسف غلبنا فيه .
ـ معلش ، خليه براحته ، طب ها تيجي معايا ؟
ـ آجي معاك فين ؟ مش الأول لما تدخل تستحمى و تغير هدومك المبلولة دي ؟ و تاكل لك لقمة ؟ تعالى ادخل ادخل ....
( أمسكت بيدها أدخلها ، سحبت يدها بسرعة )
ـ إنت فاكرني ما باشوفش و إلا إيه ؟ تعالى ادخل يا نور عيني تعالى ، خلي
بالك من الطشت لتتعتر فيه ، تعالى اقعد هنا على الكنبة ، ثواني و راجعة لك .
( تحسست طريقها إلى داخل الدار ،
ما هي إلا لحظات حتى أتت )
ـ تعالى يلا خش الحمام ، أنا ولعت لك ( الباجور ) على بستلة المية أهي ، و (
الكوز ) هتلاقيه عندك على كرسي الحمام ، و خد يا عم آدي صابونة جديدة
بورقتها ، هدومك و الفوطة متعلقين على المسمار اللي ورا الباب ، و ابقى حط
لي بقى المبلول ده كله في ( القروانة ) عشان أغسلهم لك ، إن شاء الله تطلع
تلاقيني سخنت لك الأكل ، يلا هم .
ـ الله يبارك فيك يا نبوية ، مش عارف من غيرك كنا عملنا إيه ؟
( انحنيت على يدها أقبلها ، سحبت يدها بسرعة )
ـ استغفر الله العظيم ، عيب يا وله ، أزعل منك و الله ، ده أنت ابني الكبير ....
( دخلت و أغلقت الباب ،
أخذني صوت ( وابور الجاز ) و رائحة رطوبة الجدران على جناحيها هناك ،
وجدتني أجلس عاريا بين يدي أمي التي تجلس على كرسي الحمام الخشبي الصغير ،
تصب الماء الدافئ على جسدي ، أبكي من حرقة الصابون الذي دخل عيني )
ـ مش قايلة لك تقفل عينك يا نور عيني ؟ وريني ...
( أخذت تصب الماء على رأسي و تفرك عيني )
ـ هيه ؟ راح ؟
ـ أيوة خلاص ، كفاية بقى .....
( لقتني داخل المنشفة و أخذت تجفف جسدي )
ـ كفاية بقى ....
ـ استنى لحسن تاخد برد ، هات إيدك ....
( ألبستني جلبابي الجديد و أخذت تصفف شعري بمشطها الأبيض الصغير )
ـ أيوة كده ، قمر اربعتاشر يا ناس ؟ الجلابية ها تاكل منك حتة .....
( جاءني صوت نبوية تنادي )
ـ يلا يا محمد الأكل ها يبرد ....
( خرجت فوجدتها و قد وضعت أطباق الطعام فوق الطبلية الخشبية )
ـ تعالى دوق أكل أختك نبوية ، تلاقيك يا حبة عيني ما بتتهناش على لقمة هناك ...
ـ لأ ، مين ده ؟ و هو احنا ورانا هناك غير الأكل ؟
ـ و هو أكل المطاعم ده برضه بتسميه أكل ؟ خد خد ، بالهنا و الشفا ...
( أخذت أتناول الطعام )
ـ بسم الله ما شاء الله ، تعرفي إن أنتي الوحيدة اللي طبيخك زي أمي الله يرحمها ؟
ـ الله يجبر بخاطرك ، إش جاب لجاب ؟ اسكت أما اضحكك ، مش كنا بندور لأبوك على عروسة ؟
ـ معقولة ؟
ـ إيوة و المصحف ، الشيخ مبروك الله يكرمه قال لنا الراجل ده ما ينفعش قعدته كده من غير ست تاخد بالها منه و تراعيه ...
ـ و هو وافق ؟
ـ الصراحة قلنا ما نقولوش إلا لما نشوف له واحدة مناسبة الأول ، و ساعتها بقى نبقى نقول له و ناخد رأيه ....
ـ مش ها يوافق ، أنا عارف ....
ـ المهم يا سيدي قعدنا ندور لغاية لما لقيت له واحدة مية مية ...
ـ و دي مين دي إن شاء الله ؟
ـ خالتك هانم أم البشلاوي ....
ـ هي لسه عايشة ؟
ـ عايشة يا خويا و زي الفل ، و صحتها بمب و عال العال ، قلت أكلمها و آخد رأيها ، أهي تخدمه و تراعيه و تاخد بالها منه ...
ـ و قالت لك إيه ؟
ـ الست يا خويا باقول لها إيه رأيك أنا جايبة لك عريس ، لقيتها رحبت بيا و طرطقت وادنها و لا بنت أربعتاشر ....
ـ طب كويس ، المهم ؟
ـ الست باقول لها يعني إن العريس راجل كبير و نايم تعبان و عاوز يعني واحدة
ست كده جنبه تخدمه بس و تسليه ، لقيتها قامت و حطت كيس العنب اللي جايباه
في حجري و قالت لي : ما عندناش بنات للجواز يا أم يوسف ، و ابقي يا أختي
عدي على المقلة خدي له معاك نص كيلو لب يتسلى بيه أحسن هاهاهاهاها ...
( انفجرنا في الضحك )
ـ شوف يا أخويا الست ها ها ها ....
ـ لا مش ممكن ، هاهاها ، ما هو أنت برضه اللي غلطانة ، رايحة لواحدة بتعلب
في الناشئين تحت سبعين سنة و عاوزة تضيعي الثواني اللي فاضلة ف عمرها ؟ ها
ها ها ، أمال أبو يوسف فين ؟
ـ تلاقيه قاعد ع القهوة بيشرب له حجرين معسل ، ها يروح فين يعني ؟
ـ على رأيك ، صحيح ، ما فيش أخبار عن يوسف ؟
( شردت المسكينة و وجدت الدموع و قد بدأت تترقرق في عينيها ، حاولت المسكينة إخفائها ، ففشلت )
ـ الواد حسن ابن خالتك ( سنية ) لما رجع م العراق حلف لي ع المصحف إنه شافه
مرة هناك بيبيع سجاير في الشارع ، كان ساعتها راكب الأتوبيس ، و قعد ينادي
له م الشباك ، بس ما ردش عليه ، و لما نزل في أول محطة و رجع نفس المكان
عشان يقابله لقاه فص ملح و داب ...
ـ لا حول و لا قوة إلا بالله ، الواد ده طالع براوي كده لمين ؟
( ضحكت المسكينة رغم ألمها و بادرتني )
ـ هيه ، ها يكون طالع لمين يعني ؟هم مش بيقولوا في المثل : الواد لخاله ؟
( أحسست بطعنة في صدري )
ـ كده برضه يا نبوية ؟ الله يسامحك ....
( حاولت التخفيف من حدة ردها فبادرتني )
ـ أنا باضحك معاك يا وله ، أهو أنت أهو على الأقل جاي تسأل علينا ، الرك بقى على اللي خد في وشه و راح ما جاش ، كل كل ....
ـ الحمد لله شبعت ...
( وقفت متأهبا للذهاب )
ـ استنى لما أعمل لك الشاي ...
ـ لأ معلش ، ها اشربه هناك ، إيه ؟ مش ها تيجي معايا و إلا إيه ؟
ـ لأ روح أنت و أنا ها احصلك ، عشان بس أغسل الهدوم المبلولة دي بدل ما تعفن .
ـ طيب سلام عليكم .
ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ،
( خرجت راحلا في اتجاه بيت أبي ، بينما جاءني صوتها يحذرني )
ـ خلي بالك بقى و أنت ماشي لتزحلق و تقع تاني .........
( رحلت إلى دار أبي حذرا محاولا التركيز و الانتباه حتى لا أنزلق فأقع مرة أخرى ،

من أين ستأتي نبوية بجلباب آخر ؟

أخذت أتحسس الخطى بأطراف أقدامي ،

كلما تقدمت خطوة بقدم ثبتها جيدا بالأرض حتى أتقدم بالأخرى متأنيا ،

و إذا بي أمام دار خالتي ( ليلى ) ،

آآآآآآه ، ما العمل الآن ؟

لو رأتني لن تتركني أرحل ،

دعوت الله ألا تكون جالسة في شرفتها كعادتها ،

وقفت مستترا بشجرة ( الجميز ) التي أمام دارها ،

ألتمس النظر من وراء الغصون و الأوراق ،

لاااااااا، كما توقعت ، ها هي تجلس على أريكتها الخشبية ،

ما العمل الآن ؟

هل أذهب إليها ؟

لا لا مستحيل ، سأتأخر عن الذهاب لوالدي ،

لن تتركني أرحل مهما اختلقت لها من أعذار ،

على الأقل ستتمسك بمصاحبتها في تناول فنجال من القهوة ،

لا ، الوقت لا يتسع لها و لحديثها الآن ،

الحل الوحيد هو الدوران من خلف دارها ،

نعم نعم ، و في المساء سأستأذن أبي و أذهب إليها ،

تراجعت حذرا حتى اختفت شرفتها ،

أسرعت أدور من خلف الدار ،

تسللت بين أعواد الذرة هناك ،

فجأة وجدت كلبا يقف في مواجهتي ،

ما إن أحس باقترابي حتى اعترض طريقي مزمجرا ،

لا حول و لا قوة إلا بالله ،

حاولت الثبات و التراجع ببطء أمامه ،

وقف الكلب متحفزا ،

ليس من الحكمة الهرب الآن ،

كلما تراجعت خطوة علا صوت زمجرته و اقترب مني أكثر ،

ظهرت أنيابه و بدأ اللعاب يسيل منها ،

سال العرق على جبهتي ،

قلبي يكاد يقفز هربا من قفصه الصدري ،

حاولت التماسك ، أخذت شهيقا عميقا و نفخته بتوتر ،

لابد من شراء وده ،

أخذت أمصمص بشفتاي ،

لا فائدة ، يبدو أنه ليس من النوع الذي يتراجع بالمصمصة ،

ما العمل الآن ؟

أصبحت في وضع لا أحسد عليه ،

بدأ يتأهب للنباح ،

لا ، إلا النباح أرجوك ،

زمجر كيفما تشاء ، و لكن إلا النباح ،

ستخرج خالتي و تراني على هذه الحالة ،

استغفر الله العظيم ،

ما العمل الآن ؟

فجأة ،

تخلى عن زمجرته و بدأ يهز ذيله و يتراجع ،

وجدت كفا تضرب على كتفي )

ـ إيه ؟ مين ؟

( التفت مذعورا ،

فإذا بابن خالتي يضحك )

ـ ههههه ، ما فيش فايدة ؟ لسه قلبك رهيف ؟

( تنفست الصعداء )

ـ حودة ؟

( تعانقنا )

ـ إيه ياعم الوحش اللي مربيه ده ؟ مش تقوله إن أنا ابن خالتك ؟ هههههه ....

ـ تعالى تعالى ، إنت كنت مزوغ كده و رايح فين ؟

ـ أصلي لسه واصل دلوقتي حالا ، و الصراحة كده يعني خفت
لأمك تشوفني و تمسك فيا ، ما أنت عارفها ، قلت أروح أشوف أبويا الأول ، بس و
اللي قابلنا من غير ميعاد كنت هأرجع لها بالليل على رواقة ....


ـ آآآآآه ، قول كده بقى ، هي دي برضه صفة الرحم يا متعلم
يا بتاع المدارس ؟ بقى تغيب السنين دي كلها و آخرة المتمة ما تعديش تسلم
عليها ؟ يا أخي دي برضه خالتك و في مقامك أمك الله يرحمها ......


ـ أنت ها تركبني الغلط و إلا إيه ؟ مش باقولك كنت هارجع لها بالليل ؟؟؟؟

ـ طب بس اسكت لتسمعنا ، دي بتسمع دبة النملة ، تعالى تعالى ....

( رجعنا إلى بيت خالتي و إذا به يتوقف خلف الدار و يلتقط بعض الحصى من الأرض و أخذ يقذف بها نافذة الدور العلوي )



ـ ثواني بس لما أطلع الحاجات دي و ألف معاك .

ـ أنت بتعمل إيه ؟

ـ هشششششش ، بس ما تفضحناش ....

( نظرت زوجته من النافذة ،

ألقت بحبل يتدلى منه حقيبة بلاستيكية ،

وضع فيها الأكياس الورقية التي يحملها ،

قال لزوجته هامسا )

ـ الحاجات اللي طلبتيها أهي ، على الله بس تيجي بفايدة ، و شوية كده و طالع لك ..

( أخذت زوجته تجذب الحبل لترفع الحقيبة )

ـ يلا بينا .

ـ إيه اللي أنا شفته ده بقى إن شاء الله ؟

ـ أصل مراتي حامل يا سيدي ، و قال إيه بتتوحم على التفاح ، فجايب لها تفاحتين أمريكاني كده على ما قسم ، تصدق بإيه ؟

ـ لا إله إلا الله .

ـ و اللي خلق الخلق ، قاعد م الصبح أدور عليه و ما لقيته غير في بورسعيد ...

ـ طب مش المفروض ، لا مؤاخذة يعني تعدي على أمك الأول ؟

ـ أيوة أيوة ، عشان التفاح يحلى في عينيها ، و ما ينوبش مراتي حاجة منهم ؟ دول يا دوب تفاحتين ، ها يكفوا مين و إلا مين ؟

ـ لأ إزاي ؟ ما يصحش طبعا ، مراتك أولى ، هههه ، هي دي بقى صلة الرحم اللي بتقول عليها ؟

ـ و النبي لا تعايرني و لا أعايرك ، طب ما أنت كمان كنت عاوز تروح لأبوك من غير ما تسلم عليها ؟ ها تسكت أحسن لك و إلا أقول لها ؟؟؟؟

ـ لأ و على إيه ؟ اتكتم أحسن .

ـ طب يلا بينا ، و ما تخافش ، ها أقول لها يا سيدي إني قابلتك ع المحطة .

( لفننا حول البيت ،

أمسك بيدي يثبتني مكاني و غمز بعينه )

ـ خليك هنا لما أعملها لها مفاجأة ....

( صعد درجات السلم المؤدية إلى الشرفة )

ـ سلام عليكم ، إزيك يا أمه ؟

ـ و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ، إنت كنت فين م الصبح ؟

ـ ها أكون فين يعني ؟ تخيلي بقى جايب لك مين معايا ؟

ـ أكيد محمد ابن خالتك ......

ـ ده أنت ولية ناصحة ، عرفتني منين ؟

ـ إياكش تكون فاكرني قاعدة نايمة على وداني ؟ تعالى يا د يا محمد ادخل .

( عندها جريت أصعد السلم ،

فتحت ذراعيها فارتميت بين أحضانها )

ـ كده برضه يا محمد ؟ تغيب المدة دي كلها ؟ و لا كأن ليك أهل .......

ـ معلش يا أمه سامحيني ، و الله ما منعني عنكم إلا الشديد القوي .

ـ الشديد القوي ؟ يلا معلش ما كلكم طينة واحدة ، اقعد يا با اقعد ....

( وجهت حديثها لابنها )

ـ اطلع يا وله شوف مراتك عشان تعبانة م الصبح و ابقى طمني عليها .

ـ حاضر يا أمه ، محمد ، ثواني و راجع لك ...

ـ لأ ، راجع لمين ؟ أنا ها اسلم على خالتي و أمشي على طول ....

( هممت بالوقوف فأمسكت يدي )

ـ تمشي فين ؟ تلاتة بالله العظيم ما تمشي إلا لما اطمن عليك و أعملك لقمة تاكلها .

ـ لسه واكل عند نبوية دلوقتي حالا ....

ـ خلاص اقعد اشرب معايا القهوة ، و اطلع أنت يا وله اطمن على مراتك .

ـ حاضر

( جلست بجوارها ،

مدت يدها إلى ( السبرتاية ) ترفع غطاءها و تشعلها لتعد القهوة )

ـ أخبارك إيه يا أمه ؟

ـ الحمد لله بخير و نعمة و الحمد لله ، ناولني القهوة و السكر اللي جنبك .

ـ خدي ، الواد ده عامل إيه معاك ؟

( تنهدت تنهيدة طويلة )

ـ عاوزني أقولك إيه يا محمد ؟ ما هو أنتم جيل ما يعلم
بيه إلا ربنا ، فاكر إني ها أقولك إني شايفاك و أنت بتلف تهرب من ورا الدار
عشان ما تسلمش عليا ؟ و إلا يعني ها أقولك إني شايفاك و أنت واقف مبلول
قدام الكلب في الدرة ؟ و إلا أقول لك إنه نادى لمراته عشان تحدف له ( السبت
) يحط فيه الأكل ؟ و إلا أقول لك إنه بيجي آخر الليل و بيسحب زي الحرامية
على فوق عشان ما اصحاش و اشوف اللي جايبه لمراته ؟ طب إيه رأيك مش ها أقول
لك ،


إنتم فاكرين إننا مختومين على قفانا ؟ و إلا مش عارفين
أنتم بتعملوا إيه ؟ و هو احنا عاوزين إيه يعني ؟ بس هي الواحدة مننا يهمها
إيه غير إن ولادها يبقوا متهنيين و آخر انبساط ؟ طب تصدق بإيه ؟


ـ لا إله إلا الله .

ـ و اللي خلقك ما ها تحسوا بينا إلا لما تخلفوا و يبقى
لكم عيال و تشوف ابنك كده بيتنطط قدام عينيك ، و تبقى ها تتشحطط عليه و
عاوز تشيله من ع الأرض شيل و نفسك تحطه في قلبك عشان خايف عليه ، و تبقى لو
طايل تجيب له الدنيا دي بحالها و تحطها تحت رجليه ، بس المهم يبقى مبسوط و
راضي .......


( ترقرقت الدموع في عينيها و حاولت التماسك حتى نجحت فأكملت )

إوعى تفتكر إني زعلانة منك و إلا منه ،

لأ و الله العظيم ، و لا على بالي خالص ، قوم يا با قوم
عشان تروح لأبوك ، زمانه يا حبة قلبي مستنيك على نار ، بس لو قدرت ابقى عدي
عليا في أي وقت هتلاقيني مستنياك .....


( ذابت الكلمات فوق لساني ، ترقرقت صورتها بعيني ،

تناثرت الحروف بين شفتاي ، حاولت لملمتها فلم استطع ،

دارت الدنيا من حولي ،

انحنيت على يدها أقبلها ، بللت دموعي كفيها ،

حاولت التماسك ،

و رحلت في طريقي إلى بيت أبي يغلفني الصمت ......... )
----------------------------------
يتبع و ان نسيت او لم اعد للموضوع ارسلوا رسالة خاصة رجل العدالة

المدير العام
صاحب الموقع


عدد المساهمات : 757
تاريخ التسجيل : 11/02/2011
العمر : 25

https://vuasv.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر )   Empty رد: دعاء الكروان ( نزف قلم : محمد سنجر )

مُساهمة من طرف 7moood السبت يناير 11, 2014 8:07 pm

مشكوووووور  Very Happy 

7moood
المشرفون


عدد المساهمات : 211
تاريخ التسجيل : 02/01/2014
العمر : 25
الموقع : http://mypal.123.st

http://mypal.123.st

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شركة انكور التطويريةدليل انكور للمواقعمنتدى انكور التطويريةمركز انكور للرفعمنتديات دلون